قصه قيس ابن الملوح مجنون ليلي
.طبعا مجنون ليلى . هي قصه مشهوره جدا .. ولا يمل من قراءتها أحد
بطلها العاشق المجنون قيس بن الملوح وليلى بنت سعد
هام قيس بن الملوح المعروف بمجنون بني عامر بليلى بنت سعد .. هياماً شديدا فقده
عقله . ثم عن ابا المجنون و أمه ورجال عشيرته اجتمعوا الى ابي ليلى فوعظوه و
ناشدوه الله والرحم ، و قالوا له : ان هذا الرجل لهالك . و أقبح من الاهلاك ذهاب
عقله ، و انك فاجع به أباه و أهله ، فنشدناك الله والرحم أن تزوجه ليلى فوالله ماهي
اشرف منه ، ولا لك مثل مال أبيه ، وقد حكمك في المهر ، و ان شئت ان يخلع نفسه
اليك من ماله فعل . فأبى وحلف بالله وبطلاق امها انه لا يزوجه إياها ابدا ، وقال :
أفضح نفسي وعشيرتي و آتي مالم يأتِهِ أحد من العرب ، و أسم ابنتي بميسم فضيحة !
فانصرفوا عنه ، و خالفهم لوقته فزوجها رجال من قومها و ادخلها إليه ، فما امسى إلا
وقد بنى بها ( تزوجها وافتض بكارتها ) و بلغ المجنون الخبر فأيس منها حينئذٍ و زال
عقله جملة ، فقال الحيّ لأبيه :
احجُج به الى مكة وادعُ الله عز وجل له ، ومُرهُ أن يتعلق بأستار الكعبة فيسأل الله ان
يعافيه مما به ويبغّضها اليه ، فلعل الله ان يخلصه من هذا البلاء ، فحج به ابوه ، فلما
صاروا بمنى سمع صائحا في الليل يصيح : ياليلى ، فصرخ صرخة ظنوا أن نفسه قد
تلفت ، وسقط مغشيا عليه ، فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم افاق متغير اللون ذاهلا فأنشأ يقول :
عرضتُ على قلبي العزاء فقال لي *** من الآن فأيأس لا أعزك من صبرِ
ثم قال له أبوه : تعلق بأستار الكعبة واسأل الله أن يعافيك من حب ليلى ، فتعلق بأستار
الكعبة و قال :
(( اللهم زدني ليلى حبا و بها كلَفاً ولا تُنسني ذكرها أبداً ))
فهام حينئذٍ وفقد وعيه .
قالوا : وقد كان يهيم في البرية مع الوحش ولا يأكل الا ماينبت في البرية من بقل، ولا يشرب
الا مع الظباء إذا وردت مناهلها ، و طال شعر جسده و رأسه و ألفته الظباء والوحوش
فكانت لا تنفر منه ، وجعل يهيم حتى يبلغ حدود الشام ، فإذا ثاب اليه عقله سأل من يمر به
من أحياء العرب عن نجد فيقال له : و أين أنت من نجد ! قد شارفت الشام ! أنت في
موضع كذا ، فيقول : فأروني وجهة الطريق، فيرحمونه و يعرضون عليه أن يحملوه
أو يكسوه فيأبى ، فيدلونه على طريق نجد فيتوجه نحوه ..
قالوا : و مرّ المجنون بزوج ليلى وهو جالس يصطلي في يوم شاتٍ ، وقد أتى ابن عمّ له
في حي المجنون لحاجة ، فوقف عليه ثم أنشأ يقول :
بربك هل ضممت إليك ليلى *** قُبيل الصبحِ أو قبلت فاها
وهل رفّت عليك قرون ليلى *** رفيف الأقحوانة في نداها
فقال : اللهم إذ حلّفتني فنعم ..
قال : فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر ، فما فارقهما حتى سقط مغشياً عليه ،
وسقط الجمر مع لحم راحتيه ، وعض على شفته فقطعهما ، فقام زوج ليلى مغموماً بفعله ،
متعجباً منه فمضى ..
** تبكي وتقول أنا ليلى **
و عن أشياخ من بني مرّة قالوا :
خرج منا رجل الى ناحية الشام والحجاز و مايلي تيماء و السراة و أرض نجد في طلب
بغية فإذا هو بخيمة قد رُفعت له وقد أصابه المطر فعدل إليها و تنحنح فإذا امرأة قد كلمته .
فقالت : أنزل ، فنزل ..
قال : وراحت إبلهم وغنمهم فإذا أمر عظيم ، فقالت : سَلُوا هذا الرجل من أين أقبل ، فقلت:
من ناحية تهامة ونجد . فقالت : ادخل أيها الرجل ، فدخلت الى ناحية من الخيمة ، فأرخت
بيني و بينها ستراً ثم قالت لي : يا عبد الله ، أي بلاد نجد وطئت؟ فقلت : كلها . قالت :
فبمن نزلت هناك ؟ فقلت : بني الحريش ، فاستعبرت ثم قالت : فهل سمعت بذكر فتى
منهم يقال له : قيس بن الملوح و يلقب بالمجنون ؟
قلت : بلى والله ! وعلى أبيه نزلت ، وأتيته فنظرتُ إليه يهيم في تلك الفيافي ، ويكون مع
الوحش لا يعقل ولا يفهم إلا أن تُذكر له امرأة يقال لها ليلى ، فيبكي ويُنشد أشعاراً قالها
فيها ..
قال فرفَعَتِ الستر بيني وبينها ، فإذا فلقةُ قمرِ لم ترَ عيني مثلها ، فبكت حتى ظننت –والله-
أن قلبها قد انصدع ، فقلت : أيتها المرأة اتقي الله فما قلتُ بأساً ، فمكثت طويلاً على تلك
الحال من البكاء والنحيب ثم قالت :
ألا ليت شعري والخطوب كثيرةٌ *** متى رحل قيسٍ مستـقل فراجـع
بنفـسيَ من لا يســتـقــل بـرحله *** ومن هو ان لم يحفظ الله ضائع
ثم بكت حتى سقطت مغشياً عليها ، فقلت لها : من أنتِ يا أمة الله ؟ و ما قصتكِ ؟
قالت : أنا ليلى صاحبته المشؤومة والله عليه غير المؤنسة له ، فما رأيتُ مثل حزنها و
وجدها عليه قط ..
** نهاية عاشق **
قالوا : إن عثمان بن عمارة المري أخبر أن شيخا من بني مرّة حدثه أنه خرج الى أرض
بني عامر ليلقى المجنون ، قال : فدُلٍلتُ على محلّته فأتيتها ، فاذا أبوه شيخ كبير وإخوة له
رجال واذا إبل كثير ، وخير ظاهر فسألتهم عنه فاستعبروا جميعا ، وقال الشيخ : والله لهو
كان آثر في نفسي من هؤلاء وأحبهم إلي ! وإنه هوي امرأة من قومه ، والله ماكانت تطمع
في مثله ، فلما ان فشا أمره وأمرها كره ابوها أن يزوجها منه بعد ظهور الخبر فزوجها
من غيره فذهب عقل ابني ولحقه خَبَل وهام في البراري وجداَ عليها ، فحبسناه وقيدناه ،
فجعل يعض لسانه وشفتيه حتى خفنا عليه أن يقطعها فخلينا سبيله فهو يهيم في هذه البراري
مع الوحوش يُذهبُ إليه كل يوم بطعامه فيوضع له حيث يراه ، فإذا تنحوا عنه جاء فأكل منه .
قال : فسألتهم أن يدلوني عليه ، فدلوني على فتى من الحي كان صديقا له وقالو انه لا
يأنس إلا به ، ولا يأخذ أشعاره عنه غيره . فأتيته فسألته أن يدلّني عليه ، فقال : إن كنت
تريد شعره فكل شعره إلى أمس عندي . و أنا ذاهب إليه غداَ ، فإن كان قال شيئاَ أتيتك به،
فقلت : بل أريد أن تدلني عليه لآتيه ، فقال لي : إنه إن نفرَ منك نفر مني ، فيذهب شعره ،
فأبيتُ إلا أن يدلني عليه فقال : اطلبه في هذه البراري والصحاري فإذا رأيته فادنُ منه
مستأنساً ولا تـُرِه أنك تهابه ، فإنه يتهددك و يتوعدك ان يرميك بشئ فا يروعنّك و اجلس
صارفاً بصرك عنه والحظهُ أحياناَ ، فإذا رأيته قد سكن من نِفاره فأنشده شعراً غزلاًَ ،
وإن كنت تروي من شعر قيس بن ذُريح ( وهو الشاعر المتيم صاحب لبنى بنت الحباب
الكعبية ، من شعراء العصر الأموي و من سكان المدينة توفي سنة 68 هـ ) شيئاً فأنشده
إياه فإنه معجب به ، فخرجت فطلبته يومي الى العصر فوجدته جالسا على رمل قد خط
فيه بإصبعة خطوطا ، فدنوت منه غير منقبض ، فنفر مني ، نفور الوحوش من الإنس ،
والى جانبه أحجار فتناول حجراً فأعرضت عنه ، فمكث ساعة كأنه نافر يريد القيام ،
فلما طال جلوسي سكن وأقبل يخط بإصبعه فأقبلت عليه وقلت : أحسن والله قيس بن
ذريح حيث يقول:
ألا ياغراب البين ويحك نبّنـي *** بعلمك في لُبنى و أنت خبيرُ
فإن أنت لم تُخبر بشءٍ علمته *** فلا طِرتَ إلا و الجناحُ كسيرُ
فأقبل عليّ و هو يبكي فقال: أحسن و الله ، و أنا أحسن منه قولاً حيث أقول:
كأن القلب ليلةَ قيل يُغدى *** بليلى العامرية أو يـُراحُ
قطاةٌ عزها شَرَكُ فبـاتــت *** تُجاذبه وقد عَلِقَ الجناحُ
فأمسكت عنه هنيهةً ، ثم أقبلت عليه فقلت : و أحسن و الله قيس بن ذريح حيث يقول :
و قالوا غداً أو بعـد ذاك بـلـيـلـةٍ *** فراقُ حبيبٍ لم يَبن وهو بائنُ
وماكنتُ أخشى أن تكون منيتي *** بكفّيك إلا أن مـن حـان حـائـنُ
قال : فبكى –والله- حتى ظننت أن نفسه قد فاضت ، وقد رأيت دموعه قد بلّت الرمل الذي
بين يديه ثم قال: أحسن لعمر الله ، و أنا والله أشعَـر منه حيث أقول :
و أدنيتني حتى إذا ما سبيتني *** بقولٍ يُحل العُصمَ سهلَ الأباطحِ
تناءيتِ عني حين لا ليَ حيلةٌ *** و خلّفتِ ما خلّفتِ بين الجوانحِ
ثم سنحت له ظبية فوثب يعدو خلفها حتى غاب عني وانصرفت . وعُدتُ من غدٍ فطلبته
فلم أجده ، وجاءت امرأةٌ كانت تصنع له طعامه إلى الطعام فوجدته بحاله ، فلما كان في
اليوم الثالث غدوت ، وجاء أهله معي فطلبناه يومنا فلم نجده ، وغدونا في اليوم الرابع
نستقري أثره حتى وجدناه في وادٍ كثير الحجارة خشن ، وهو ميت بين تلك الحجارة فاحتمله
أهله فغسلوه وكفنوه ودفنوه..
*** تمت***
ويقال أنه سمع بموت ليلى..فذهب عند قبرها..وبكى ثم مات ودفن بجانبها.. والله أعلم
ومن قصائده :
قصيدة ـ إن ليلى بالعراق
ألا إنَّ ليلــــى بالعــــــراق مريضـــة * * * وأنت خلي البـال تلهو وترقـد
فلو كنت يا مجنون تضنى من الهـوى * * * لبـت كما بات السليم المسهـد
يقـولون ليلـــى بالعــراق مريضــــة * * * فما لك لا تضنـى وأنت صديـق
شفى الله مرضى بالعـراق فأننـــي * * * على كل مرضى بالعراق شفيـق
فإن تك ليلـــى بالعـــراق مريضـــة * * * فإني في بـحر الحتـوف غريـق
أهيـم بأقطـــار البـــلاد وعرضهـــــا * * * ومالـي إلى ليلى الغـداة طريـق
كـــأن فـــؤادي فيه مــور بقــــــادح * * * وفيه لـهيب ساطـع وبـروق
إذا ذكــرتها النفس مـاتت صبابـــــة * * * لهـا زفـرة قتـالة وشهيــق
سقتنـي شمس يخجل البدر نورها * * * ويكسف ضوء البرق وهو بـروق
غرابية الفرعيـن بدريـة السنــــــــا * * * ومنظـرها بادي الجمـال أنيـق
وقد صرت مجنونا من الحب هائمـــا * * * كأنـي عان في القيـود وثيـق
أظــــل رزيح العقل ما أطعم الكــرى * * * وللقلـب منـي أنـة وخفـوق
برى حبها جسمي وقلبي ومهجتي * * * فلم يبـق إلاّ أعظـم وعـروق
فلا تعذلوني إن هلكت ترحـــــــــموا * * * علي ففقـد الروح ليس يعـوق
وخطوا على قبري إذا مت واكتبـــــو ا * * * قتيل لـحاظ مات وهو عشيـق
إلى الله أشكو ما ألاقي من الهــــوى * * * بليلى ففي قلبي جوى وحريـق
.طبعا مجنون ليلى . هي قصه مشهوره جدا .. ولا يمل من قراءتها أحد
بطلها العاشق المجنون قيس بن الملوح وليلى بنت سعد
هام قيس بن الملوح المعروف بمجنون بني عامر بليلى بنت سعد .. هياماً شديدا فقده
عقله . ثم عن ابا المجنون و أمه ورجال عشيرته اجتمعوا الى ابي ليلى فوعظوه و
ناشدوه الله والرحم ، و قالوا له : ان هذا الرجل لهالك . و أقبح من الاهلاك ذهاب
عقله ، و انك فاجع به أباه و أهله ، فنشدناك الله والرحم أن تزوجه ليلى فوالله ماهي
اشرف منه ، ولا لك مثل مال أبيه ، وقد حكمك في المهر ، و ان شئت ان يخلع نفسه
اليك من ماله فعل . فأبى وحلف بالله وبطلاق امها انه لا يزوجه إياها ابدا ، وقال :
أفضح نفسي وعشيرتي و آتي مالم يأتِهِ أحد من العرب ، و أسم ابنتي بميسم فضيحة !
فانصرفوا عنه ، و خالفهم لوقته فزوجها رجال من قومها و ادخلها إليه ، فما امسى إلا
وقد بنى بها ( تزوجها وافتض بكارتها ) و بلغ المجنون الخبر فأيس منها حينئذٍ و زال
عقله جملة ، فقال الحيّ لأبيه :
احجُج به الى مكة وادعُ الله عز وجل له ، ومُرهُ أن يتعلق بأستار الكعبة فيسأل الله ان
يعافيه مما به ويبغّضها اليه ، فلعل الله ان يخلصه من هذا البلاء ، فحج به ابوه ، فلما
صاروا بمنى سمع صائحا في الليل يصيح : ياليلى ، فصرخ صرخة ظنوا أن نفسه قد
تلفت ، وسقط مغشيا عليه ، فلم يزل كذلك حتى أصبح ثم افاق متغير اللون ذاهلا فأنشأ يقول :
عرضتُ على قلبي العزاء فقال لي *** من الآن فأيأس لا أعزك من صبرِ
ثم قال له أبوه : تعلق بأستار الكعبة واسأل الله أن يعافيك من حب ليلى ، فتعلق بأستار
الكعبة و قال :
(( اللهم زدني ليلى حبا و بها كلَفاً ولا تُنسني ذكرها أبداً ))
فهام حينئذٍ وفقد وعيه .
قالوا : وقد كان يهيم في البرية مع الوحش ولا يأكل الا ماينبت في البرية من بقل، ولا يشرب
الا مع الظباء إذا وردت مناهلها ، و طال شعر جسده و رأسه و ألفته الظباء والوحوش
فكانت لا تنفر منه ، وجعل يهيم حتى يبلغ حدود الشام ، فإذا ثاب اليه عقله سأل من يمر به
من أحياء العرب عن نجد فيقال له : و أين أنت من نجد ! قد شارفت الشام ! أنت في
موضع كذا ، فيقول : فأروني وجهة الطريق، فيرحمونه و يعرضون عليه أن يحملوه
أو يكسوه فيأبى ، فيدلونه على طريق نجد فيتوجه نحوه ..
قالوا : و مرّ المجنون بزوج ليلى وهو جالس يصطلي في يوم شاتٍ ، وقد أتى ابن عمّ له
في حي المجنون لحاجة ، فوقف عليه ثم أنشأ يقول :
بربك هل ضممت إليك ليلى *** قُبيل الصبحِ أو قبلت فاها
وهل رفّت عليك قرون ليلى *** رفيف الأقحوانة في نداها
فقال : اللهم إذ حلّفتني فنعم ..
قال : فقبض المجنون بكلتا يديه قبضتين من الجمر ، فما فارقهما حتى سقط مغشياً عليه ،
وسقط الجمر مع لحم راحتيه ، وعض على شفته فقطعهما ، فقام زوج ليلى مغموماً بفعله ،
متعجباً منه فمضى ..
** تبكي وتقول أنا ليلى **
و عن أشياخ من بني مرّة قالوا :
خرج منا رجل الى ناحية الشام والحجاز و مايلي تيماء و السراة و أرض نجد في طلب
بغية فإذا هو بخيمة قد رُفعت له وقد أصابه المطر فعدل إليها و تنحنح فإذا امرأة قد كلمته .
فقالت : أنزل ، فنزل ..
قال : وراحت إبلهم وغنمهم فإذا أمر عظيم ، فقالت : سَلُوا هذا الرجل من أين أقبل ، فقلت:
من ناحية تهامة ونجد . فقالت : ادخل أيها الرجل ، فدخلت الى ناحية من الخيمة ، فأرخت
بيني و بينها ستراً ثم قالت لي : يا عبد الله ، أي بلاد نجد وطئت؟ فقلت : كلها . قالت :
فبمن نزلت هناك ؟ فقلت : بني الحريش ، فاستعبرت ثم قالت : فهل سمعت بذكر فتى
منهم يقال له : قيس بن الملوح و يلقب بالمجنون ؟
قلت : بلى والله ! وعلى أبيه نزلت ، وأتيته فنظرتُ إليه يهيم في تلك الفيافي ، ويكون مع
الوحش لا يعقل ولا يفهم إلا أن تُذكر له امرأة يقال لها ليلى ، فيبكي ويُنشد أشعاراً قالها
فيها ..
قال فرفَعَتِ الستر بيني وبينها ، فإذا فلقةُ قمرِ لم ترَ عيني مثلها ، فبكت حتى ظننت –والله-
أن قلبها قد انصدع ، فقلت : أيتها المرأة اتقي الله فما قلتُ بأساً ، فمكثت طويلاً على تلك
الحال من البكاء والنحيب ثم قالت :
ألا ليت شعري والخطوب كثيرةٌ *** متى رحل قيسٍ مستـقل فراجـع
بنفـسيَ من لا يســتـقــل بـرحله *** ومن هو ان لم يحفظ الله ضائع
ثم بكت حتى سقطت مغشياً عليها ، فقلت لها : من أنتِ يا أمة الله ؟ و ما قصتكِ ؟
قالت : أنا ليلى صاحبته المشؤومة والله عليه غير المؤنسة له ، فما رأيتُ مثل حزنها و
وجدها عليه قط ..
** نهاية عاشق **
قالوا : إن عثمان بن عمارة المري أخبر أن شيخا من بني مرّة حدثه أنه خرج الى أرض
بني عامر ليلقى المجنون ، قال : فدُلٍلتُ على محلّته فأتيتها ، فاذا أبوه شيخ كبير وإخوة له
رجال واذا إبل كثير ، وخير ظاهر فسألتهم عنه فاستعبروا جميعا ، وقال الشيخ : والله لهو
كان آثر في نفسي من هؤلاء وأحبهم إلي ! وإنه هوي امرأة من قومه ، والله ماكانت تطمع
في مثله ، فلما ان فشا أمره وأمرها كره ابوها أن يزوجها منه بعد ظهور الخبر فزوجها
من غيره فذهب عقل ابني ولحقه خَبَل وهام في البراري وجداَ عليها ، فحبسناه وقيدناه ،
فجعل يعض لسانه وشفتيه حتى خفنا عليه أن يقطعها فخلينا سبيله فهو يهيم في هذه البراري
مع الوحوش يُذهبُ إليه كل يوم بطعامه فيوضع له حيث يراه ، فإذا تنحوا عنه جاء فأكل منه .
قال : فسألتهم أن يدلوني عليه ، فدلوني على فتى من الحي كان صديقا له وقالو انه لا
يأنس إلا به ، ولا يأخذ أشعاره عنه غيره . فأتيته فسألته أن يدلّني عليه ، فقال : إن كنت
تريد شعره فكل شعره إلى أمس عندي . و أنا ذاهب إليه غداَ ، فإن كان قال شيئاَ أتيتك به،
فقلت : بل أريد أن تدلني عليه لآتيه ، فقال لي : إنه إن نفرَ منك نفر مني ، فيذهب شعره ،
فأبيتُ إلا أن يدلني عليه فقال : اطلبه في هذه البراري والصحاري فإذا رأيته فادنُ منه
مستأنساً ولا تـُرِه أنك تهابه ، فإنه يتهددك و يتوعدك ان يرميك بشئ فا يروعنّك و اجلس
صارفاً بصرك عنه والحظهُ أحياناَ ، فإذا رأيته قد سكن من نِفاره فأنشده شعراً غزلاًَ ،
وإن كنت تروي من شعر قيس بن ذُريح ( وهو الشاعر المتيم صاحب لبنى بنت الحباب
الكعبية ، من شعراء العصر الأموي و من سكان المدينة توفي سنة 68 هـ ) شيئاً فأنشده
إياه فإنه معجب به ، فخرجت فطلبته يومي الى العصر فوجدته جالسا على رمل قد خط
فيه بإصبعة خطوطا ، فدنوت منه غير منقبض ، فنفر مني ، نفور الوحوش من الإنس ،
والى جانبه أحجار فتناول حجراً فأعرضت عنه ، فمكث ساعة كأنه نافر يريد القيام ،
فلما طال جلوسي سكن وأقبل يخط بإصبعه فأقبلت عليه وقلت : أحسن والله قيس بن
ذريح حيث يقول:
ألا ياغراب البين ويحك نبّنـي *** بعلمك في لُبنى و أنت خبيرُ
فإن أنت لم تُخبر بشءٍ علمته *** فلا طِرتَ إلا و الجناحُ كسيرُ
فأقبل عليّ و هو يبكي فقال: أحسن و الله ، و أنا أحسن منه قولاً حيث أقول:
كأن القلب ليلةَ قيل يُغدى *** بليلى العامرية أو يـُراحُ
قطاةٌ عزها شَرَكُ فبـاتــت *** تُجاذبه وقد عَلِقَ الجناحُ
فأمسكت عنه هنيهةً ، ثم أقبلت عليه فقلت : و أحسن و الله قيس بن ذريح حيث يقول :
و قالوا غداً أو بعـد ذاك بـلـيـلـةٍ *** فراقُ حبيبٍ لم يَبن وهو بائنُ
وماكنتُ أخشى أن تكون منيتي *** بكفّيك إلا أن مـن حـان حـائـنُ
قال : فبكى –والله- حتى ظننت أن نفسه قد فاضت ، وقد رأيت دموعه قد بلّت الرمل الذي
بين يديه ثم قال: أحسن لعمر الله ، و أنا والله أشعَـر منه حيث أقول :
و أدنيتني حتى إذا ما سبيتني *** بقولٍ يُحل العُصمَ سهلَ الأباطحِ
تناءيتِ عني حين لا ليَ حيلةٌ *** و خلّفتِ ما خلّفتِ بين الجوانحِ
ثم سنحت له ظبية فوثب يعدو خلفها حتى غاب عني وانصرفت . وعُدتُ من غدٍ فطلبته
فلم أجده ، وجاءت امرأةٌ كانت تصنع له طعامه إلى الطعام فوجدته بحاله ، فلما كان في
اليوم الثالث غدوت ، وجاء أهله معي فطلبناه يومنا فلم نجده ، وغدونا في اليوم الرابع
نستقري أثره حتى وجدناه في وادٍ كثير الحجارة خشن ، وهو ميت بين تلك الحجارة فاحتمله
أهله فغسلوه وكفنوه ودفنوه..
*** تمت***
ويقال أنه سمع بموت ليلى..فذهب عند قبرها..وبكى ثم مات ودفن بجانبها.. والله أعلم
ومن قصائده :
قصيدة ـ إن ليلى بالعراق
ألا إنَّ ليلــــى بالعــــــراق مريضـــة * * * وأنت خلي البـال تلهو وترقـد
فلو كنت يا مجنون تضنى من الهـوى * * * لبـت كما بات السليم المسهـد
يقـولون ليلـــى بالعــراق مريضــــة * * * فما لك لا تضنـى وأنت صديـق
شفى الله مرضى بالعـراق فأننـــي * * * على كل مرضى بالعراق شفيـق
فإن تك ليلـــى بالعـــراق مريضـــة * * * فإني في بـحر الحتـوف غريـق
أهيـم بأقطـــار البـــلاد وعرضهـــــا * * * ومالـي إلى ليلى الغـداة طريـق
كـــأن فـــؤادي فيه مــور بقــــــادح * * * وفيه لـهيب ساطـع وبـروق
إذا ذكــرتها النفس مـاتت صبابـــــة * * * لهـا زفـرة قتـالة وشهيــق
سقتنـي شمس يخجل البدر نورها * * * ويكسف ضوء البرق وهو بـروق
غرابية الفرعيـن بدريـة السنــــــــا * * * ومنظـرها بادي الجمـال أنيـق
وقد صرت مجنونا من الحب هائمـــا * * * كأنـي عان في القيـود وثيـق
أظــــل رزيح العقل ما أطعم الكــرى * * * وللقلـب منـي أنـة وخفـوق
برى حبها جسمي وقلبي ومهجتي * * * فلم يبـق إلاّ أعظـم وعـروق
فلا تعذلوني إن هلكت ترحـــــــــموا * * * علي ففقـد الروح ليس يعـوق
وخطوا على قبري إذا مت واكتبـــــو ا * * * قتيل لـحاظ مات وهو عشيـق
إلى الله أشكو ما ألاقي من الهــــوى * * * بليلى ففي قلبي جوى وحريـق